السبت، 20 يوليو 2013

بقلمي : مدينة تحتاج .... إلى ترميم







موضوع كتبته من أرض الواقع قد تكون بعض الصور مبهمة ، ولكنها تحكي حكاية
مدينة كانت معي من أجمل المدن ، ولكنها للأسف من يسكنها أصحاب عقول فارغة .
مدينة كانت مبهجة ، مضيئة ، مبنية من الود والاحترام والصراحة والصدق ،
مدينة كانت تضم بين أركانها وزواياها الصديق ، والحبيب والغريب وصاحب الدار
أما اليوم أصبحت كئيبة ، موحشة ، بشعة ، مليئة بالنفوس الدنيئة التي دنستها وبالغش،
والنفاق متهدمة المعالم فاحتفت تلك النقوش والجماليات التي نزينها.
أصبحت اليوم تطرد صاحب الدار فستوحش الغريب وفر هاربا منها لكي لا يصيبه ماأصاب أصحابها.

الدنيا برغم اتساعها ورغم سنين عمري التي قضيتها إلا أنني ولدت في بيئة نقية عالم بريء جدا

الحلال والحرام بين لا مجال للجدال فيهما..

فتعمقت في داخلي أن احترم ذاتي واحترم من حولي تقديرا لذاتي واحتراما لها ، لذلك مع الأيام
تكونت شخصيتي التي استمدتها جيدا من أبي الغالي رحمه الله
كنت برغم صغري إلا أنني أحمل شخصية مختلفة عن أخوتي فيها نوعا من الجراءة ، والعناد ، والثقة،
والوقوف في قول الحق ، والكبرياء .
لذلك عشت في ذلك المجتمع الصغير وأنا على سجيتي البريئة صنعتها مع الأيام لنفسي وافتخر بها دائما .

ولكن شاءت الأقدار أن أقف في محطات مختلفة وأرحل بين مدن جديدة لم أعتد زياراتها وعالم مختلف

عن عالمي الذي أعيشه بجماله وبراءته.

فرحلت إلى ذلك العالم بإرادتي دون أقنعة شخصية ، دون زيادة في الوزن ،أو في فاتورة الحساب ،
عالم كنت أحسبه أكثر نقاء وصفاء ، ولكن صدمت به فما وجدته أعياني وتبلد فكري
عالم يضم مختلف فئات البشر المختلفة فيهم التقي ، والشرير، الكاذب ، والصادق والمنافق والطيب
فرحلت إلى ذلك العالم محملة بحقائب مليئة بما في داخل خزانتي ، ومعها أوراق من أدراجي سطرت فيها
مواقف وحكايات عايشتها ، وأخرى من عالم الخيال صنعته لنفسي
عالم كلما اقتربت منه أحسست بالخوف ويتملكني شعورا دائما بالرحيل عنه ولكن كلما أردت الرحيل
تجذبني أيادي خفية تثنيني عن الرحيل أنهم أخوة وجدتهم في تلك المدينة الجميلة فيطلبون مني
إرجاع حقائبي بما فيها إلى خزانتي وأدراجي...


ولكن اليوم أقف أمام مرآتي وأبعثر أوراقي والملم ماتبقى من كتبا وقصصا أحببنا قراءتها معا،

ويمر في خيالي البوم صور مختلف لأشخاص عايشتهم وكانوا أقرب مني إلى الروح ، وأشخاص

رحلوا وخلفوا خلفهم ألم واشتياق وأشخاص مازلت ألون حياتي بوجودهم وسيبقون كذلك وإن رحلت عنهم.
أحداث كثيرة استوقفتني وجعلتني أحزم حقائبي من جديد والرحيل بلا عودة ، دون الالتفات إلى الماضي.
قررت الرحيل عن هذه المدينة التي عشقتها يوما ما ، لأن هذه المدينة أغلقت الأبواب في وجوه أناسا أخلصوا لها،
دون أن يلتفت ساكنيها إليهم ، أو يلقون نظرة إلى حقائبهم وأمتعتهم، وسنين عمرهم التي قضوها بينهم ، وفي لحظة
تناسوا كل شيء لأشخاص بنوا معهم يدا بيد سورا عظيما لها يحميها من الأعاصير والبراكين وكوارث الزمن.
ومحت ذاكرتهم وجودهم يوما ما في هذه المدينة ، لذلك أردت الرحيل لكي لا أجد نفسي يوما ما الأبواب مغلقة أمامي
بسلاسل من حديد أو الفولاذ ..




لذلك عند اشتياقي لتلك المدينة يوما سوف تعود حقائب الحنين وحفنة من الأحلام في داخلي للارتواء من الاشتياق لها.

كانت الأجمل في عيني وأعينهم ولكن دنسها الغرور ، والانا ، والطغيان ، فرحلنا لأنه لم يعد تستهوينا مثل تلك

المدينة ولا من سكنوا فيها..
ومن بعيد أقف أطالع البشر الذين يعشقون الولوج إليها ، فتعتريني مرارة ، وفرحة في آن واحد ، شعور لا أعلم

ولا أستطيع تفسيره ، وهنا أشعر أن القلب شرع على مصراعيه ،
ولكن من يستطيع من هذا العالم أن يوقف نزيف الذاكرة الذي يؤرقني ،
من يستطيع أن يغلق جميع نوافذ الحنين في داخلي وداخلهم لها .

فأرفع يدي مودعة لها وانظر إلى عينيها دون بكاء .. فقد قاربت ساعات النهاية ..



والآن أعود ألملم حقائبي من جديد فسوف أسافر وأرحل بلا عودة بعد سنوات من المكوث في تلك المدينة المصطنعة

التي صورتها في داخلي بأجمل الصور ، وألبستها أجمل الحلل والدرر..

ولكن مع الأيام اكتشفت أنها فارغة من الداخل ، ليس هي من أريد المكوث فيها ، لأول مرة أشعر بالغربة تتفرد بي
في هذه المدينة وتتلبسني تلك الابتسامات الماكرة ، وتلك الأيادي التي تسعى إلى دمارها بالخفاء، وتلك الوجوه التي
تبتسم فرحة لرحيل من أبدعوا في بنيانها وتصميمها وأقاموا تلك الجسور لتكون أقوى من كل المدن في عصرها..
ولكن أصاب اليوم بالألم والحنين والفرحة ، وفقدان اللغة التي الفت الحديث عنها ..
لقد هزمت تلك المدينة من مروا قبلي ، وصنعت من اخلاصهم لها أضرحة للعبرة لنا ولغيرنا
ولكي لا أنهزم آثرت الرحيل عنها ، فكبريائي لا يسمح لي بالطرد من مدينة كنت من عشاقها
ففي كل يوم أقضيه في شوارعها وحدائقها وأسواقها أعشقها أكثر وتستوطن ذاكرتي أكثر.



مدينة بنيت لها جسر يصل بينها وبين بيتي وبين ذاكرتي أخطو خطواتي بثقة إليها عندما أزورها

بين آن وأخر ، ولكن أقف مودعة لها بأن لا تسكنني مرة أخرى ، ولا تستوطن خافقي.

فما عاد لها مكانة في قلبي ولا ذاتي ، وسوف يظل مكانها فارغ لن تسكنه مدينة أخرى ..
منها كانت البداية ، ومنها انتهت أخر مدني ونهاية ترحالي بين تلك المدن التي عرجت إليها .
همسة لتلك المدينة
" لكي يعودوا إليها من رحلوا عنها ، لا بد من إعادة ترميمها من جديد"


اليوم الخميس
التاريخ : 10/1/2013م
الساعة: 2:13 مساء بقلمي : وداد روحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق